قصة "موسى" في التوراة
موسى ضمن جداريات كنيس دورا أوربوس قرب دير الزور، أقدم كنيس باقي في العالم.
أسم "موسى" هو "موشيه" بالعبري وهي من الجذر السامي (م ش ح) ومعناه (يسحب)، نسبة إلى استخلاصه من الماء بعد أن أوحى الله عز وجل لوالدته أن تطرحه في الماء. وبالقبطيه وبالاغريقية أيضاً معناه (المخلّص من الماء)
وينتسب إلى سبط "لاوي" بن "يعقوب"، حيث أن "لاوي" من الجيل الأول بعد هجرة الني "يوسف"وأهله إلى مصر.
و "لاوي" له ابن هو "قهات" الذي ولد "عمرام" الذي يمثل الجيل الثالث من الهجرة، والذي تزوّج بنسيبته "يوكابد" من بنات "لاوي" أيضًا، وأنجبت منه "موسى" ثالث أولادها وأصغرهم. وهو من الجيل الرابع طبقاً للتوراة، ولد "موسى" في مصر وعاش في كنف آل فرعون. عاش مئة وعشرين سنة في الفترة بين 1.300 ~ 1.200 ق.م
تمت ولادة "موسى" حسب القصة التوراتية في ظروف صعبة، فبعد أربعة أجيال من هجرة آل يعقوب إلى مصر «أثمروا وتوالدوا ونموا وكثرواجدًا» مما سبب خوفًا لملك مصر خشية انضمامهم للأعداء حال اندلاع حرب أو منازعتهم في ملك الأرض، لذلك أمر الملك باستعبادهم«ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية» لاحقًا، أمر الملك القابلات بقتل الذكور من بني إسرائيل، وإذ كان أمر الملك نافذًا، ولد "موسى"، فتخوفت أم موسى عليه، و وضعته في سلّ من القصب وخبأته بين حشائش حافة النهر، ثم أوفدت "مريم" أخته الكبرى لحراسته. غير أنّ ابنة "فرعون"، إذ قصدت النهر لتغتسل مع جواريها، وجدت السلّة ورقّ قلبها ل "موسى" فاعتنت به، وإذ أبى الطفل الرضاعة تدخلت "مريم" أخته الكبرى سائلة بنت "فرعون" أن تجلب مرضعة لترضع الصبي، فأرضعته أمه لقاء أجر، ومكث الطفل فترة الرضاعة والطفولة في بيتأهله، وبعد فطمه استقرّ في منزل ابنة "فرعون" التي دعته «موسى».
خرج "موسى" يوماً ليتفقد أحوال إخوته فرأى رجلاً مصريًا يضرب رجلاً عبرانيًا، فقتل "موسى" الرجل المصري، غير أن الحادث قد انكشف، وسمع"موسى" أن "فرعون" أمر بقتله، فهرب إلى أرض مديان (مدين). وإذ جلس عند البئر، حمى سبع فتيات من مضايقات الرعاة، ثم سقى غنمهنّ، فما كان من والدهنّ المدعو "يثرون" أو "رعوئيل" أي "صديق الله" وهو كاهن مديان أن زوّج "موسى" إحدى بناته"صفّورة"، والتي ولدت ل "موسى" بكره "جرشوم". واستقرّ "موسى" في مديان وعمل راعيًا.
بعد استقرار موسى في أرض مدين، زمنًا كافيًا، قفل راجعًا إلى موطنه من مدين مصطحبًا زوجته وابنه الذي ختّنه في الطريق.
في طريق العودة لموطنه مصر بصحبة أهله، حدثت حادثة العليقة. ويعتبر حديث العليقة واحدًا من أهم النصوص الكتابية في التراث اليهودي. أهمية النص تكمن في أنه كشف عن "الاسم الأعظم" لله في التراث اليهودي على وجه الخصوص: "أنا هو الكائن - أي يهوه - " الكائن بذاته تترجم في العربية إلى القيوم وتشابه صفة الغني أيضًا. كما أنه يعتبر انطلاق نبوءة ورسالة "موسى" . وبينما كان "موسى" يرعى الغنم كعادته، ساق الغنم إلى جبل (حوريب)، فرأى شجرة عُليق تشتعل بها النار دون أن تحترق، وحين رآها خرج الصوت من وسط العليقة: «وقال، موسى موسى، فقال هاأنذا، فقال لا تقترب إلى هاهنا، واخلع نعليك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة»، فإن "موسى" قد استشعر الخوف، فأخبره الإله بوظيفته وهي إرساله إلى فرعون ليطلق بني إسرائيل: «هلمّ فأرسلك إلى فرعون تخرج بني إسرائيل من مصر»، و "موسى" سأل الله عن اسمه فأجابه "أنا هو الكائن" أي يهوه وتختصر أيضًا إلى "أنا هو". وحين طلب "موسى" علامة يثبت بها لبني إسرائيل صدق دعوته عندما يدعوهم، قدّم الله له معجزتين الأولى عصا الراعي الخاصة به إذا ما رماها على الأرض غدت أفعى، وإذا عاد وأمسك بذيلها رجعت عصا؛ والثانية أن يدخل "موسى" يده في حجره فإذا أخرجها كانت "برصاء مثل الثلج" وإذا ردها إلى القميص وسحبها مجددًا عادت سليمة. تحجج موسى، بأنه «ثقيل الفم واللسان» ولمؤازرته في مهمته كلّف معه أخاه "هارون" ، وبذلك اكتملت شروط دعوة "موسى" وإرساليته النبوية.
موسى يخلع نعليه عند العليقة الملتهبة؛ بريشة دومنيكو فيتي، القرن 17
وعند وصول "موسى" و "هارون" إلى مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل، فتكلم "هارون" بجميع الكلام الذي كلّف به الرب "موسى"، وصنع الآيات أمام عيون الشعب، فآمن الشعب، ولما سمعوا أن الرّب افتقد بني سرائيل، وأنه نظر مذلتهم، خرّوا وسجدوا.
وقد كان في حديث العُليقة أن أخبر الله "موسى" : «إني أغلظت قلبه [قلب فرعون] وقلوب عبيده، لكي أصنع آياتي هذه بينهم. ولكي تخبر في مسامع ابنك وابن ابنك بما عملته في مصر، وبآياتي التي صنعتها بينهم. فتعلمون أني أنا الرّب».
وتم اللقاء الأول بين "موسى" و "فرعون" والذي طلب فيه "موسى" إطلاق بني إسرائيل ثلاث أيام ليعبدوا الرب ويقدموا ذبائحًا تكريمًا له في البرية، لم يرفض فرعون فحسب، بل أمر بتشديد العمل على بني إسرائيل، فبدلاً من تقديم التبن للعمال جاهزًا لإعداد لبن البناء، بات من الواجب أن يحضروا التبن بأنفسهم دون أن تنقص كمية لبن البناء في اليوم، مما سبب تذمر الشعب. تزامنًا مع ذلك كانت الضربات العشرة التي نزلت على قوم فرعون قد بدأت. فخلال اللقاء الأول لم يؤمن فرعون رغم معجزة العصا التي تحولت إلى ثعبان والتي جرت أمام ناظريه، على الرغم من فشل سحرة مصر في مضاهاة المعجزة. وفي اللقاء الثاني، ضرب "موسى" النهر بعصاه فحوله إلى دم غير أنّ «اشتدّ قلب فرعون فلم يسمع لهما»، وبعدها بسبع أيام، كان اللقاء الثالث، بناءً على أمر الله ل "موسى"، فإذا رفض فرعون نزلت الضربة الثانية بأن اجتاحت الضفادع الأرض والمنازل بشكل كثيف؛ فطلب "فرعون" للمرة الأولى من "موسى" و "هارون" أن يرفعا الضفادع كي يطلق بني إسرائيل ليعبدوا الرب، غير أن "فرعون" تراجع عن وعده إثر موت الضفادع، فنزلت الضربة الثالثة بأن تكاثر البعوض بشكل كبير، وفشل موالي"فرعون" من سحرة وعرافين في القضاء على البعوض، فنصحوا فرعون بأن يطلق بني إسرائيل غير أنه رفض.
مع رفض "فرعون" لنصائح وزراءه وسحرته، نزلت الضربة الرابعة بأن تكاثر الذباب وعشش في بيوت قوم "فرعون" دونًا عن بني إسرائيل. حينها، وافق "فرعون" على طلب "موسى"، وعندما خرج الشعب رُفِعَت ضربتيّ البعوض والذباب، غير أن "فرعون" نكث بالوعد ولم يسمح لبني إسرائيل بالعودة مجددًا فنزلت الضربة الخامسة بأنّ ماتت جميع مواشي قوم "فرعون" ، تلتها الضربة السادسة بأن انتشر الغبار في الأرض ما سبب بثورًا ودمامل في البشر والبهائم، ثم الضربة السابعة بأن نزل مطر وبرد عظيم في أرض مصر «لم يكن مثله في كل أرض مصر، منذ أن صارت أمة»، فتلف الزرع والمحصول لفرعون وعبيده وكل «من لم يوجه قلبه إلى كلمة الرب»، فطلب فرعون شفاعة "موسى" لرفع البَرد لقاء قبوله بإطلاق بني إسائيل، فقبل "موسى" ورفعت الضربات غير أن "فرعون" سمح للرجال فقط بالخروج، أما النساء والأطفال اشترط بقائهم في أعمالهم، فحلّت الضربة الثامنة بأن غزت أسراب الجراد أرض مصر، وأتلفت مخزونها وما سلم من ضربة البرد، تلتها الضربة التاسعة بأنّ عمّ الظلام الدامس أرض مصر لثلاث أيام، وأخيرًا حلّت الضربة العاشرة والأخيرة فكانت موت أبكار قوم فرعون من ابنه البكر حتى بكر أصغر عبيده وبكر كل بهيمة؛ فكان أن أطلق "فرعون" بني إسرائيل مع نسائهم وأطفالهم ومواشيهم، إطلاقًا تامًا ونهائيًا، وهو فصح اليهود، الذي يعني حرفيًا العبور، العبور من العبوديّة إلى الحريّة، ليل 14 نيسان القمري، وكانت مدة إقامة بني إسرائيل في مصر430 سنة حسب التوراة، التي أمرت باستذكار المناسبة باحتفالات سنوية حافلة: «هذه الليلة هي للرب. تحفظ من جميع بني إسرائيل في أجيالهم»
في رحلة الخروج من مصر خرج "موسى" وبني إسرائيل من الدلتا ثم نحو الجنوب، خرج نحو 600,000 عبري حسب أرقام التوراة للبرية، يقود سيرهم ملاك من الله في شكل عمود من سحاب، وخرج "فرعون" وجيشه في إثرهم، مما أثار خوف وهلع الشعب السائر في البرية، خصوصًا بعدما وجدوا البحر من أمامهم وجيش "فرعون" ، من خلفهم. غير أن الله أمر "موسى" بأن يضرب البحر بعصاه: «ومدّ موسى يده على البحر، فأجرى الربّ البحر بريح شرقية شديدة كل الليل، وجعل البحر يابسة، وانشقّ الماء، فدخل بنو إسرائيل في وسطالبحر، على اليابسة والماء سور لهم، عن يمينهم وعن يسارهم. وتبعهم المصريون ودخلوا ورائهم، جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلىوسط البحر، فلما خرج موسى ومن معه، قال الرب لموسى مد يدك إلى البحر ليرجع الماء على المصريين، فمدّ موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل ورائهم في البحر، ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين، فخاف الشعب الرّب، وآمنوا بالرب وبعبده موسى».
رسمة تعبر عن معجزة عبور البحر الأحمر بقيادة موسى.خلال المسير، واجه الشعب السائر في البرية مشاكل عدة، وكان التدخل الإلهي عن طريق النبي موسى كفيلاً بحلها: فمشكلة الطعام حُلت بالمن والسلوى الذي كان يمطر من السماء في الصباح ويذوب عند الظهر، وأما الماء فقد حلت مشكلته بتفجير عيون وينابيع للماء العذب على الطريق، وقد انتشبت أيضًا معارك بين قوم موسى وعدد من القبائل في طريق الخروج، أشهر تلك القبائل العماليق، وقد قاد جيش بني إسرائيل فيها "يشوع بن نون" خليفة "موسى" المقبل، وكان الله قد أمر "موسى" أن يقف على رأس تلة وبيده العصا التي فلق بها البحر، فطالما كانت يده مرفوعة تقدّم بنو إسرائيل، وكلما أخفض موسى يده تقدمّ العماليق «فلما صارت يدي موسى ثقيلتين، أخذا حجرًا ووضعاه تحته فجلس عليه، ودعم "هارون" و "حور" يديه الواحد من هنا والآخر من هناك، فكانت يداه ثابتتين إلى خروج الشمس. فهزم "يشوع" العماليق وقومه بحد السيف». خلاصة وحكمة الأمر الإلهي، بأنه لا بقوتهم الذاتية حقق بنو إسرائيل النصر بل بقوة الله.
بعد ثلاثة أشهر من الارتحال في سيناء، وصل بنو إسرائيل إلى جبل حوريب، هناك قابل "موسى" حميه "يثرون" مجددًا. في جبل حوريب نفسه حيث تكلّم الله من العليقة الملتهبة، وبأجواء احتفالية، نزل لوحي الشريعة والتي نقشت عليها الوصايا العشر عن طريق وسيط هو"موسى" ، بينما الشعب خارج الجبل يرقب الضباب محيطًا به وأصوات الرعد. حسب الرواية التوراتية، فإنّ الله قد أمر بني إسرائيل بأن يتطهروا ويغسلوا ثيابهم ويمتنعوا عن قرب النساء ليومين، وفي اليوم الثالث على طور سيناء يتم النزول. التوصيات الإلهية ل "موسى" ، شملت أيضًا وضع حدود على سفح الجبل، وعدم صعود أيًا كان خلال الحدث وإلا رجم سواءً كان من البشر أم من الحيوانات. وفي الموعد «صار رعد وبرق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق»، بل إن الجبل نفسه «ارتجف»، فصعد "موسى" وحده، وعلى الجبل كان «موسى يتكلم والله يجيبه بصوت»، ومن هنا استحقّ موسى لقب "كليم الله"
بعد أن نزل "موسى" من الجبل أخبر الشعب بوصايا الإله، فأبدى الشعب طاعته وخضوعه، وفي اليوم التالي قدّم "موسى" اثني عشر ذبيحة شكل عن كل سبط من الأسباط ثورًا صحيحًا، ثم اصطحب معه "هارون" والشيوخ السبعين المعاونين له إلى الجبل، وفي اليوم الثالث انفرد "موسى" بالجبل الذي غطاه الغمام مجددًا، ومكث به أربعين نهارًا وأربعين ليلة حتى استلم اللوحين منقوشين جاهزين محتوين على الوصايا العشر، الأساس التشريعي الأبرز في التراث اليهودي المسيحي، والمتضمنتان الآن في سفر الخروج، وسفر التثنية.
رسم تخيلي لأحداث سفر الخروج، حول نزول لوحي الوصايا على طور سيناء المحاط بالغمام وأصوات الرعد والبوق، بينما الشعب محيطًا بالجبل يرتقب.
جبل حوريب، المعروف أيضًا بجبل موسى، وجبل سيناء، وطور سيناء، وطور سنين، الموضع الذي تلقف به موسى الألواح حسب التوراة.
غير أن المدة الطويلة التي قضاها موسى على الجبل، قد جعلت الشعب ينقلب عليه، بل ظن البعض أنه مات أو هرب، فصنعوا عجلاً من الذهب وعبدوه وقدموا للصنم الذبائح، وحين علم "موسى" بالأمر تضرّع إلى الإله كي «لا يفني شعب إسرائيل من وجه الأرض»، وذكربشفاعة إبراهيم واسحق ويعقوب، فردّ الله قضاءه. أما "موسى" فحطّم اللوحين الأولين غضبًا وحنقًا من تصرف بني إسرائيل، ثم أحرق عجل الذهب وطحنه وذره على وجه الماء وسقا الماء بني إسرائيل عقوبة، ثم أمر بقتل من ذبح للعجل من بني لاوي - أي الكهنة - فقتل ثلاث آلاف رجل، بينما أعلن بنو إسرائيل توبتهم و«ناحوا من الندم». فغفر الله لهم. ثم قدّم "موسى" لوحين شبيهين باللوحين الذين دمرهما بعد صيام أربعين نهارًا وليلة جديدين، وأمر بإعداد خيمة الاجتماع، ونحت صندوق ذهبي سمي «تابوت العهد» حفظ بداخله لوحي الشريعة، وحفظ لوحي الشريعة في خيمة الاجتماع، وكذلك أمر بإحصاء عدد الأسباط حسب ما يفتتح به الكتاب الرابع من كتب التوارة المسمى سفر العدد.
بني إسرائيل يعبدون عجل الذهب.لم تكن عبادة العجل خطيئة بني إسرائيل الوحيدة، فإن "ناداب" و "أبيهود" على سبيل المثال بخرّا «بنار غريبة» دنسة فاحترقا بها وماتا، وأما "قورح" و "داتان" و "أبيرام" من سبط "لاوي" قاوموا رغبة "موسى" و "هارون" وبخرّوا لآلهة غريبة فانشقت الأرض وابتلعتهم مع من تبعهم وهم مائتين وخمسين رجلاً. وكذلك تذمر الشعب من صنف الطعام الواحد: «قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم، والآن قد يبست أنفسنا من هذا المن»، ورغم أن الرّب قد منحهم لحمًا في البرية استجابة لطلبهم غير أن التوراة تعتبر أن الشعب «اشتكى شرًا»، كما أن قسمًا من الشعب اشتكى زواج "موسى" ب "كوشية" - أي أثيوبية - ومن بينهم "مريم" أخته، وخطأ آخر ارتكبه الشعب بأنه ناح وصرخ وبكى وتذمر على "موسى" وعلى "هارون" بعد أن عاد جواسيس أوفدهم "موسى" بأمرإلهي لاستطلاع أحوال أرض كنعان الموعودة، فوجدوها قوية حصينة، فخاف بنو إسرائيل على أنفسهم وقالوا: «لماذا أتى بنا الرّب إلى هذه الأرض؟ لنسقط بالسيف؟ لتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة»، بل إن بعضهم اقترحوا أن يُخلع "موسى" من قيادة الشعب ويقام رئيس جديد للجماعة يعيدهم إلى مصر، وحاول قسم آخر أن يرجموا "موسى" و "هارون" ويقتلوهما، وهو ما ردّ عليه الله في التوراة: «حتى متى يهينني هذا الشعب؟ وحتى متى لا يصدقونني رغم كل الآيات التي عملت في وسطهم؟» غير أن موسى مجددًا طلب الصفح واستغفر وكفّر عن خطايا بني قومه، وحين بلغ الشعب برية سين إلى الجنوب من البحر الميت نواحي صحراء النقب، توفيت "مريم" أخت "موسى" ودفنت هناك، والمصيبة الثانية التي حلّت بالجماعة قحط البرية: «لماذا أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الرديء. ليس هو مكان زرع وتين وكرم ورمان، ولا فيه مكان للشرب»، فكان أن أمر الله موسى بأن يأمر إحدى الصخور شفاهًا بأن تخرج ماءً فيخرج منها الماء، غير أن"موسى" ضرب الصخرة بعصاه التي فلق بها البحر فنزل الماء.
في جبل (هور)على تخوم أرض آدوم توفي هارون، وبكى جميع بني إسرائيل عليه، وخلفه ابنه ألعازر، وبعد أن تابعوا سيرهم تذمروا مجددًاعلى "موسى" فنزل عقاب إلهي بأن تسلطت على الشعب أفاعي سامة فمات كثيرون، ثم كان أن طلبوا الغفران قبل الله توبتهم وأمر بأن يصنع "موسى" حيّة نحاسية ويرفعها على راية «فكان متى لدغت حية إنسانًا ونظر إلى حية النحاس يحيا»، واتجه الشعب إثر ذلك شمالاً نحو موآب - شرقي نهر الأردن - فحاول "بالاق بن صفور " ملك موآب مضايقتهم، وكان في تلك الأصقاع بني آخر لله هو "بلعام بن بور" وخلال استقرار بني إسرائيل في تلك النواحي تزاوجوا مع الموآبيات، وأكلوا من ذبائح آلهتهم، بل وسجدوا لبعل فغور إلههم، فاجتاح الوباء الذي قتل أربعًا وعشرين ألفًا من بني إسرائيل عقابًا، كما أمر "موسى" بقتل كل من «تعلّق قلبه» ببعل فغور.
إثر توبة الشعب، حققوا انتصارًا على المديانيين، سبوا فيه كثيرًا من الجواري وحصلوا على غنائم وافرة، وبلغوا نهر الأردن، لاسيّما بعد أن انتصروا على سيحون ملك الأموريين الساكن في حشبون؛ وبكل الأحوال، فإن كثرة خطايا الشعب منذ أن عبر سيناء، ومخالفتهم أوامر الله أوجبت عليه التيه في الصحراء، أي البقاء في حالة البداوة غير المستقرة في صحراء الأردن ما وراء النهر لمدة أربعين سنة كاملة من الخروج من مصر، مات فيها جميع العبرانيين الذين خرجوا من مصر عدا "يشوع بن نون" و "كالب بن يفنة" ، وهما من قادا أولاد الجيل الأول الذي كُتِب عليهم الموت في البرية إلى الأرض الموعودة، وهو ما ترويه لاحقًا أسفار أخرى لاسيّما سفر يشوع.
شاخ "موسى" وتقدم في السن حتى بلغ 120 عامًا، وأعلمه الله بأن الدخول إلى الأرض يتم بقيادة "يشوع بن نون" لا بقيادته، ثم أخبره بأن أيامه قد اقتربت من الاكتمال، وأن أجله قد حان؛ فكتب "موسى" نسخة من التوراة حفظها في خيمة الاجتماع، ثم جمع بني إسرائيل وألقى عليهم خطبته الأخيرة، وكانت آخر وصاياه: «وجهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات التي أنا أشهدها عليكم بها اليوم، لكي توجهوا أولادهم،ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة». ثم منح اثني عشر بركة لكل سبط من أسباط بني إسرائيل واحدة، وخصّ بركته الأخيرة لخليفته "يشوع بن نون"، وأمر الشعب بأن يطيعوه، ثم صعد منفردًا بأمر إلهي إلى جبل نبو مقابل أريحا حيث رأى جميع الأرض الموعودة،ومات على رأس الجبل في أرض الأردن.
الموقع التقليدي في جبل نبو الذي منه أطل النبي موسى على أرض فلسطين قبيل وفاته، حسب سفر التثنية.
مقام النبي موسى، أريحا.
ماشاءالله م أجملك من معلومات وثقافة يدوّنها استاذنا الفاضل محمد البوعينين
ردحذفشرفتني استاذ فلاح ..
حذف